كان يمكن أن تمدّ يدك لتلتقط الكوب الذي أخذ يسقط على الأرض بطيئاً كسلحفاة، لكنك لم تفعل. جثم سائل القهوة البني للحظات في الهواء. تمدد، قشط ببطء، ثم انفجر بسرعة أشلاءً على أرض المطبخ.

بدا الحدث مشابهاً للأشرطة الدعائية التي تحضرها في الاستديو الصغير. تُقدِّم اللحظة وتؤخِّرها ألف مرة، وقد تلغيها رغم الإعادات. يحدث أن أمر في الغرفة وراء كرسيّك، فأحفظ تلك الثانية، وتقبع في رأسي حتى تأتيني في أحلامي. فأرى لأسبوع قادم مثلاً إنساناً ينزل الرصيف ثم يعود بجسده إلى الوراء، ويخيل لي عندما أخرج من البيت أن الشارع يحوي روبوتات تتحرك بإمرة أحدهم في مكان ما.

كان يمكن أن تركض من حيث أنت، وتفعل إحدى حركاتك البهلوانية الوثيرة، وتأتي بشيء (فأنتَ دائماً ما تأتيني بأشياء غريبة) لتلتقط به الفنجان ومافيه قبل أن يصل البلاط. لكنّك لم تحرك ساكناً، بل أكاد أقول أنك عزمتَ أن تبقى حيث أنت، وأنا بدوري لم أهتم لعدم حراكك، فشرعتُ أنظف الأرضية على الفور.

طبيعي أن تصل إحدى نثرات الزجاج إلى قدمي اليسرى، فتترك نقطة دم واحدة تنقلب بعد ثوانٍ إلى كرة حمراء صغيرة تنفلش فوق أوردة قدمي الخضراء الظاهرة. يحصل هذا دائماً: أوقع الكوب، فتصاب قدمي، قدمي اليسرى تحديداً. هذه إعادة ليست جزءاً من أشرطتك الدعائية. هذه إعادة حقيقية لطالما اعتدت عليها، حتى بدأت أعتقد أنّ قدمي لن تأبه بأي نثرة زجاج قادمة ولن تُخرِج أي نقطة دم أخرى.

بعد تنظيف سريع للقدم، أتابع مسح البلاط، فأجمع كل شيء في زواية واحدة ثم أرميه في سلة القمامة. يطيب لي بعدها أن أحضِّر كوباً آخر ربما انتقاماً من الحدث المكرَّر. أضع الركوة على النار، وأضيف ما يلزم من بن وسكر ما إن تغلي المياه. لا أسألكَ إن كنتَ تود مشاركتي الشراب، فأنا أعرف أنك لن تجيبني لا بلا، ولا بنعم.

تغلي الماء ثلاث مرات. تصعد القشوة البنية إلى السطح ثلاث مرات، قبل أن تنكسر وتبين ما تحتها من سائل. أصب القهوة في فنجان مماثل (مماثل تماماً، بالنقوش ذاتها، ربما لأكمل انتقامي)، وأروح إلى الكنبة لأجلس قبالتك. أنظر إليك وتنظر إلي من دون أن نتكلم. أرفع فنجاني ناحيتك وأكاد أرفق حركتي بـ”بصحتك” (كما تفعل أنت دائماً مع أي شراب في كوب كحولياً كان أم غير كحولي)، لكني أتراجع، وأعيد الفنجان ناحية شفتيّ.

منذ أسبوع، تحيطني باهتمامك أكثر. تفتح لي الباب، وتقول: “تفضلي”. تقودني إلى الدرج الذي وضعت فيها المفاتيح بعد أن أكون قد استنفذتُ ساعة في البحث عنها وبدأت أشعر باليأس. تشير لي لآلة التحكم التي وقعت تحت الكنبة ما إن أجلس لمشاهدة التلفاز.

منذ أسبوع، اعتدتُ أن أكلمك أكثر، وأعتدتُ أن تجيبني على الفور. أما اليوم فتقبع صامتاً لا تجيب ولا تسأل.

أعرف الآن أنك صرتَ تفصيلاً جامداً في صورة معلقة على جدار، زاويتها العلوية اليسرى يغطيها شريط أسود. ولحظة أتيقن من هذا، أشعر بالدم ينساب من داخلي.

اليوم، يعاودني الطمث للمرة الأولى منذ موتك.